البيان الوزاري
البيان الوزاري بتاريخ 26/4/2005
تتسلم حكومتنا مهامها في ظروف غاية في الدقة والصعوبة، وهي تأتي بعد سلسلة من الاحداث العاصفة التي بدأت بمحاولة اغتيال النائب مروان حمادة، واعقبها اغتيال الشهيدين الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما، وتداعيات هذا الاغتيال التي أدت الى تشكيل لجنتين دوليتين لتقصي الحقائق ومن ثم لإجراء تحقيق دولي، وما رافق ذلك من احداث كان لوعي اللبنانيين الذين التفوا تحت علم وطنهم الاثر الحاسم في ترسيخ الوحدة الوطنية وصيانة وفاقهم الوطني.
وقد اكد جميع القادة والفرقاء السياسيين على البقاء تحت سقف اتفاق الطائف. وفي هذا الاطار تأتي عودة الجيش السوري الشقيق الى بلاده بعد ان ادى مهامه مشكورا في مساعدتنا على الخروج من الفتنة الاهلية، وعلى اعادة بناء القوى المسلحة اللبنانية، وعلى التأسيس لبناء علاقة اكثر متانة ورسوخا بين البلدين في المجالات كافة بشكل متوازن مبني على احترام سيادة البلدين.
والحكومة تولي ثقتها الكاملة بالجيش اللبناني وبقدرته على القيام بالدور الوطني المنوط به، وستبقى ساهرة على استقرار الوضع الامني. ان حكومتنا لن تغدق الوعود بالمشاريع التي تقترح تنفيذها خلال الفترة القصيرة لمهمتها. الا انه لا بد من التأكيد على الثوابت الوطنية التي تتمسك بها حكومتنا في سياستيها الخارجية والداخلية. تؤكد الحكومة على الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والشرائع والمواثيق الدولية التي وقع لبنان عليها او انضم اليها. كما تؤكد على تمسكها بما ورد في الشرعة العالمية لحقوق الانسان، بما في ذلك حق الشعوب بتقرير مصيرها والدفاع عن استقلالها وسيادتها ووحدة اراضيها وبالحق المشروع في مقاومة الاحتلال. وتؤكد الحكومة على احترام لبنان لقرارات الشرعية الدولية ودعوته لتنفيذها جميعا من دون انتقائية. وفي هذا الاطار يدعو لبنان كافة الاطراف الفاعلة للعمل الدؤوب والجدي لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، بما في ذلك القرار رقم 194 الذي يؤكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى ديارهم. وتتمسك الحكومة بالمبادرة العربية للسلام التي اقرتها قمة بيروت عام 2002 والتي اعادت التأكيد عليها قمة الجزائر عام 2005. وستعمل الحكومة على توطيد علاقات لبنان الأخوية مع الدول العربية الشقيقة ومع الدول الصديقة، وتشير في هذا السياق للأهمية التي توليها لتعميق علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي ولا سيما الشراكة الاوروبية المتوسطية ومسارها. وتعتزم الحكومة التركيز على الانتشار اللبناني في العالم والاستفادة من طاقاته الكبيرة، وكذلك الاهتمام بالمغتربين اللبنانيين الذين يشكلون امتدادا للوطن في شتى ارجاء المعمورة. وتتمسك الحكومة باتفاق الطائف وتطبيقه نصا وروحا وبكل مندرجاته باعتباره اساس الوفاق الوطني الذي اجمعت عليه ارادة اللبنانيين. كما تعتبر الحكومة ان المقاومة اللبنانية وسلاحها، هما تعبير صادق وطبيعي عن الحق الوطني للشعب اللبناني في الدفاع عن أرضه وكرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والاطماع الاسرائيلية من اجل استكمال تحرير الارض اللبنانية. كما تؤكد الحكومة على اهتمامها بقضية الاسرى وعلى مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل للافراج عن الاسرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية. وتعتبر الحكومة ان كشف حقيقة الجريمة الارهابية التي هدفت وأدت الى اغتيال الشهيدين الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما وعدد من المواطنين، وأحدثت زلزالا مروعا في لبنان والعالم، انما هو من اساسيات عملها.
وفي هذا السياق تؤكد الحكومة التزامها الكامل بقرار مجلس الامن الدولي رقم 1595 القاضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية تتولى التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. كما تؤكد التزامها الكامل بتسهيل مهمة اللجنة وفقا لما ورد في بنود القرار المذكور بما في ذلك الاستماع الى كل من يستدعي التحقيق استجوابه توصلا الى كشف الحقيقة وتوقيف المجرمين ومحاكمتهم. كما ستلتزم الحكومة تسهيل التحقيقات التي ستقوم بها اللجنة الدولية، وذلك من خلال وضع بالتصرف قادة الاجهزة الامنية الذين لم يأخذوا المبادرة بعد بوضع انفسهم بالتصرف، واتخاذ ما تستدعيه التداعيات الناتجة عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه من تدابير، على ان تتخذ الحكومة ايضا القرارات والاجراءات بحق كل من يظهره التحقيق فاعلا او متورطا او مقصرا في تلك الجريمة النكراء.
ان المهمة الاساسية للحكومة هي اجراء الانتخابات النيابية ضمن المهل الدستورية والقانونية على اساس قانون انتخاب يضمن صحة التمثيل السياسي، والسهر على اجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر عن ارادة اللبنانيين الحقيقية، وتساهم في مشاركة المواطنين ولا سيما الاجيال الصاعدة منهم في صنع مستقبلهم. وهي تدعو الى المشاركة الواسعة في هذه الانتخابات والى ان يتحمل اللبنانيون مسؤولياتهم الوطنية على هذا الصعيد، كي يأتي المجلس المنتخب معبرا عن تطلعاتهم وامانيهم. والتزاما منها باحترام سيادة القانون وتقيدا بالاحكام الدستورية وازاء وجود مشاريع مختلفة مطروحة لقانون الانتخاب وتحديدا مشروع القانون المحال على المجلس النيابي من الحكومة السابقة، فان الحكومة تقترح تشكيل لجنة نيابية حكومية مشتركة تتمثل فيها بوزيري العدل والداخلية والبلديات تكلف وضع قانون انتخاب جديد يؤمن صحة التمثيل السياسي وذلك ضمن مهلة لا تتجاوز العشرة ايام، وافساحا في المجال للجنة لانجاز مهمتها وحفاظا بصورة خاصة على التقيد بالمهل القانونية وتجنبا للمسؤولية الدستورية التي قد تترتب عليها، فان الحكومة تدعو وفورا الى اقرار قانون معجل مكرر يجيز لها دعوة الهيئات الناخبة خلال مهلة خسمة عشر يوما بدلا من شهر واحد. وفي حال عدم اقرار قانون تقصير المهل، فان الحكومة ستعمد الى اجراء الانتخابات النيابية ضمن المهل الدستورية وفقا لقانون الانتخاب النافذ حاليا.
واما عن السلطة القضائية فهي تشكل الضمانة الاساسية لحقوق اللبنانيين وحرياتهم، ومن هنا ضرورة التركيز على الامان القضائي، انطلاقا من حرص الحكومة على استقلال القضاء وتوفير كل الضمانات الدستورية والقانونية للقضاة والمتقاضين، وبحيث يصبح القضاء محل ثقة اللبنانيين واحترامهم لان القضاء ليس فقط عامل استقرار سياسي في المجتمع، ولكنه ايضا عامل اساسي في ثقة الخارج بلبنان وبالتالي في تشجيع الاستثمارات الخارجية التي تدفع بعجلة الاقتصاد الى الامام وترفع من مستوى معيشة اللبنانيين وامنهم الاجتماعي. ولن يغيب عن الحكومة في زحمة هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد والمنطقة، الحفاظ على الاستقرار النقدي، والاهتمام بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي، والسعي لتوفير المناخات المناسبة لدعم الثقة بالاقتصاد اللبناني وانعاش الدورة الاقتصادية، بما يؤمن الحفاظ على مستوى عيش كريم للبنانيين. ان الحكومة اذ تتقدم بالبيان الوزاري تطلب الى مجلسكم الكريم منحها الثقة على اساسه. عشتم وعاش لبنان.